الخاتم العجيب :
كنتُ أعمل في إحدى إدارات البنوك المحلية، وكان لديهم منهجية علمية متميزة في فن إدارة الإجتماعات، حيث نبدأ أول يوم في الأسبوع بعقد اجتماع تحضيري لوضع الأهداف ( Targets ) وخلق أجواء تنافسية وتحفيز الموظفين للإبداع والتميز.
وأحياناً يُسمح للموظف بالمشاركة وتقديم بعض المواد المساعدة في تطوير بيئة العمل، وتنمية مهارات التفكير، لذا عَرضتْ عليّ الإدارة الإقليمية تقديم مثل هذا النوع من المشاركات كما يفعل مدربو الدورات التدريبية.
بدأت أبحث أولاً عن ( مصدر إلهام ) لكي أستشف من خلاله الفكرة وأصيغها بطريقتي الخاصة لتقديمها في الإجتماع المقبل، ولكني لم أجد ما يشبع نهمي ويسد رمق جوعي، فأغلب الأفكار مكررة وسبق طرحها وتمت مناقشتها.
تعكر مزاجي تلك الليلة، ومن قوّة النكد فتحت موقع ( اليوتيوب ) وبدأت أشاهد أفلام كرتون حكايات عالمية وأسترجع ذكريات الطفولة.
وفجأةً ظهر لي حلقة عنوانها غريب وجذاب وهو ( الخاتم العجيب ) فقمت بمتابعتها واندهشت مما رأيته حيث أن هذه الحلقة فتحت لي ولكثير ممن سبقوني آفاق واسعة من الأمل والعطاء والتطور والنجاح في الحياة.
تدور أحداث القصة حول مزارع فقير وكسول، كانت زوجته تعاني من سلوكه المحبط، وتحاول أن تشجعه وتدفعه للتغيير ولكن دون جدوى.
خرج ذات يوم نحو الغابة، فسمع صوتاً يصدر من عش طائر، ولما اقترب منه وجد به ( بيضتان ) فكسر الأولي ليخرج منها ذلك الطائر الضخم وهو في قمة السعادة بتحريره وخروجه من البيضة، قام الطائر بشكرِ المزارع وقدم له خاتماً وقال له : هذا الخاتم يمكن أن يحقق لك أمنيةً واحدةً فقط.
فرح المزارع وابتهج بهذا الخاتم السحري الذي سينقله من حياة الشقاء والفقر إلى عالم الثراء والترف. وسوف يُسعد زوجته المسكينة التي عانت شضف العيش، وذاقت معه مرارة الأيام.
ذهب ( صاحبُنا ) إلى المدينة وهناك فقد خاتمه العجيب حيث سرقه منه أحد التجار دون أن يدرك ذلك، ووضع له خاتماً آخراً مكانه لكنه مجرد خاتم عادي مسلوب الإرادة ولا يستطيع تحقيق الأماني، بينما المزارع المسكين لا زال يعتقد أن خاتمه الذي معه هو مصدر سعادته، وأنه قادر على منحه المال والحصول على ما يريد.
عاد إلى زوجته وأخبرها بكل شئ، وقال لها سندخر هذه الأمنية لوقت الحاجة إليها، قالت لكننا نحتاج حصاناً للمزرعة، فرد عليها ضاحكاً : من الآن سوف أعملُ معك بالمزرعة، ونجتهد حتى نحصل على قيمة الحصان !!
هنا محور حديثنا وهو عملية تدعيم السلوك المناسب بإضافة المثيرات الإيجابية، ما يسمى في علم النفس السلوكي التعزيز ( Reinforcement )
هذا الخاتم العجيب حسّن مفاهيم المزارع، واستثار فيه الدافعية وقدم التغذية الراجعة البناءة.
نجح المزارع في تحقيق أهدافه وتطلعاته وجميع أمانيه، وأصبح ثرياً سعيداً في حياته دون أن يستعمل ذلك الخاتم الذي لم يكن إلا مجرد ( تعزيز ) ليستمر في تجاربه الناجحة وتكراره السلوك الإيجابي.
قدمتُ هذه المادة في الاجتماع ونالت استحسان الجميع وتم التفاعل معها بشكل لطيف وحيوي وكان لها تداعيات وآثار إيجابية.
ولكن لنسأل أنفسنا :
هل يوجد لدينا ( دافعية ) للاستمرار نحو تحقيق أمانينا ؟!
الكاتب / ياسر الثقفي