بوابة صدى الحجاز الإلكترونية 

الاربعاء, 10 فبراير 2021 03:52 مساءً 0 530 0
المبالغة الممقوتة ...
المبالغة الممقوتة ...

المبالغة الممقوتة ..


كثيرا ما نقع في الحيرة  بالحكم على من يبالغ في التعبير عن فرحه  أو حزنه بأقصى درجات الفرح والسرور ؛ أو الحزن و مشاعر الأسى؛ أو الغضب والرضى . .. هل هذا أمر طبيعي أو مبالغة لا مبرر لها . 
فبين الدعوة لأن نضبط تلك المشاعر  ونتحكم بسطوتها،  وبين أن نطلقها  بعفوية على عواهنها دون قيد أو شرط؛ أو مراعاة لظروف الزمان والمكان ؛ أو ظروف  الآخرين ومشاعرهم الخاصة بهم؛  أو مشاعرهم نحونا  ؛أو استعدادهم لمشاركتنا فرحنا أو حزننا ؛أو التعاطف معنا أو السرور لنا .
وكثيرا ما نحتاج للتعبير عن مكنونات أنفسنا  ومشاركة أحبتنا بها ، ولكن  لا بد من بعض الذكاء الاجتماعي والعاطفي لوضع معايير ومقاييس لكل منها وفق الحالة النفسية للآخر،  ومدى استعداده لمشاركتنا هذه المشاعر ، و مراعاة الظرف المكاني والزماني .. فبدلا من الضحكة المجلجلة قد تكون ضحكة لطيفة معبرة عن الفرح ، و ابتسامة متواضعة تدل على السرور بالانجاز . 
 و بدلا من النواح والعويل  يكفي ذرف دموع صامتة  أو آهات مكتومة ، مع التحكم بمدى شدة الحزن مستعينين بالإيمان بالقضاء والقدر ، و بأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا . ومن كالإيمان يكون لنا  مقوما و منهاجا ؟! 
المبالغة في كل الأمور  ممقوتة،  تماما كما  يمقت الناس حب الظهور والتباهي  والمفاخرة بما ملكت أيدينا من أرقى دور ‏الأزياء و أغلى المجوهرات ، و المكتسبات المادية  ، أو التفاخر بما أنجزنا من درجات علمية وغيرها  من زخرف الحياة . تماما كما يُمقت التشدق والتفيهق والتنطع..

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيارُكم أحاسنكم أخلاقًا، الْمُوطَّؤون أكنافًا، وشرارُكم الثرثارُون المُتَفَيْهِقُون المُتَشَدِّقُون))

فالتَّشَدُّق في الكلام هو تكلُّف السجع، والمبالغة في إظهار الفصاحة في النطق. والمُتشدق هو المُتطاول على الناس بكلامه، ويتكلَّم بملء فيه؛ تفَصُّحًا وتعظيمًا لكلامه، وهذا من التَّنطُّع الذي نهى الشرع عنه.
 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هلَك المُتَنَطِّعُون))؛ والتَّنطُّع  هو التَّعمُّق في الكلام ، والتفاصح، وتكلُّف البلاغة في أساليبه.
والمُتَنَطِّعُون هم المُتعمِّقُون المتجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم؛ (جامع الأصول لابن الأثير)
فالتواضع في المظاهر  و إظهار المشاعر محمود . كما في حسن الكلام وفصاحته دون تشدق وتنطع .
قد تجد من يجهد نفسه استماتة في البحث عن الذات ، و رغبة بأن يراه الناس قسرا  و رغما عنهم ، لسماع  ما يطربهم - وإن كان مجاملة-  تحقيقا لمقولة " والغواني يطربهن الثناء"
و منهم من يسعى لشراء الإعجاب  بإغداق العاطفة المصطنعة و لفت الأنظار للأنا الطاغية بأساليب مكشوفة للعيان ... كمن يستجدي عطفا أو حبا رغما عن المنصرفين عنه باهتماماتهم الخاصة او مشاغلهم و أولوياتهم .
ليدرك الواحد منا أن ما أسعى إليه من تحقيق نجاحات ومنجزات هو  إما لنفسي أولا ، أو لوطني الكبير  أو لعائلتي الصغيرة،  وبالتالي سأجني ثماره  الناضجة بحب حقيقي ، و ليس لاستجداء حب أو إعجاب الآخرين .. سيأتي الإعجاب والتقدير  لا محالة إن كان صادقا  نابعا من الأعماق ، و لو كان العمل متميزا و دليلا على الاتقان والجودة والتفاني الخالص  من أي رياء أو مراءاة أو مباهاة وسيفرض نفسه دون سعي مني وبالتالي سأحصد  من النتائج ما لم أتوقعه ولم أستجده.
فالمبالغة  في المظاهر تعري حقيقة الخواء العاطفي أو الذهني  للشخص أو الطيش وعدم النضوج ، وضبط المشاعر دليل رصانة و ثقة بالنفس واعتزاز بها واحترام لها . 


الكاتبة /جمال بنت عبد الله السعدي

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر الخبر

غاليه الحربي
المدير العام
عضو مجلس الادارة ، أديبة وكاتبة

شارك وارسل تعليق