تصوراتي عن دورة
النقد البناء والهدام

هكذا نجحت المحاضرة 
منذ زمن ليس بالقصير وأنا أهوى الإعلام بأشكاله المتنوعة؛ فالصوت الجهوري والقلم المبدع والفكر الناقد أدوات طالما فتشت عنها، وحين لاح أمامي إعلان لمحاضرة في النقد الإعلامي البنَّاء والهدام يقدمها الدكتور جمعة خياط لم أتردد في الانضمام لتلك الدورة، وخاصة أن الدكتور إعلامي مخضرم له باع طويل وخبرة ونظرة صقلتها السنين بفكره الواسع ونشاطه الدؤوب. 
لكن ما استوقفني لبرهة هو الطريقة التي ستُعرض بها المحاضرة، فقد اعتمدت على برنامج الواتساب، والذي لم أكن أتوقع سلاستها من خلاله، فما إن بدأت المحاضرة حتى انسابت المقاطع الصوتية والكتابات بشكل سلس جعلتني أُخمن أن المحاضرة والمشاركات مُعدة مسبقا، لكن تبين لي أن المشاركين كانوا على درجة عالية من اللباقة والثقافة وحسن التنظيم، وكذلك القائمة على إدارة الحوار الأستاذة غالية الحربي كانت في غاية اللطف وسرعة التجاوب. 
بدأت المحاضرة بترحيب وتوضيح لمحاور النقاش، وجاءت المحاور على شكل أسئلة يقدحها الدكتور في أذهان المشاركين فيكشفون عن مكنون أفكارهم وآرائهم، والدكتور يعلق عليها وينقدها، وكأنه يريد تعليمنا النقد البنَّاء بشكل عملي، ومن المشاركات جاءت مشاركة تطالب بتكميم النقاش واقتصار الحديث على الدكتور حتى ينتهى من المحاضرة، لكن الدكتور رد عليه "لا نرغب التقييد 
نرغب مشاركة الجميع بالرأي حتى تصل المعلومة بشكل صحيح ونفيد ونستفيد"، هذا الرد جعل المشاركين يشعرون بمدى تقدير المحاضر لعقولهم، وكذلك سعيه في إضفاء حيوية ونشاط على جو المحاضرة، والحقيقية أن المحاضرة التي تدار من طرف واحد يُفرِّغ فيها المحاضر درسه وما على المشاركين إلا الاستماع؛ فيها من الرتابة والملل ما يجلب الفتور  ويشرد بالذهن، وقد أحسن الدكتور جمعة حين فتح الباب على مصراعيه؛ فكل من أراد المشاركة لم ينتظر دوره أو يُحدّ بوقت، وهذه من إيجابيات إدارة الحوار عبر الواتساب، وخاصة إن كان المشاركون على درجة من الوعي والتقدير. 
وفي المجمل تنقل بنا الدكتور بين ثمانية محاور واختتمها بتاسع لورشة عمل عن الدورة وقد تناول مصطلح النقد الإعلامي البناء (الحميد - الإيجابي) ومعايير النقد الإعلامي البناء، ومصطلح النقد الإعلامي الهدّام (غير الحميد - السلبي)، والفوارق بين النقد الإعلامي البنّاء والهدام، ومراحل النقد البنّاء الإيجابي الحميد، ومتى نرى النقد يؤدي للهدم لا للتصحيح ؟ وماهو الطابع الذي يتصف به النقد الاعلامي في مجتمعنا الآن؟، وبماذا يساعد النقد مسؤول العلاقات العامة في أي قطاع خدمي حكومي أو خاص، وبماذا يعيقه؟
كل تلك المحاور كان الدكتور جمعة يعلّقها واحدا تلو الآخر، فيُشَرِّحها ويفصلها ويرد على التساؤلات في مقاطع مركزة تُتبعها الأستاذ غالية بملخص مكتوب، ليرسخ في الأذهان ويسهل الجمع والمراجعة. 
أما عن الجو التفاعلي بين المشاركين، فكان مميزا ومنسجما في طريق واحد، فرابطة الشغف الإعلامي أظلَّت المحاضرة، حتى وكأنهم من أسرة واحدة، بل هم كذلك فالميول والاهتمامات تقرب وتجمع… هكذا نجحت المحاضرة. 

الكاتب / أمين محمد عبدالرحمن