بوابة صدى الحجاز الإلكترونية 

الثلاثاء, 03 سبتمبر 2019 02:51 صباحًا 0 451 0
" انشاء وزارة للصناعة خطوة نحو المستقبل "

                     " انشاء وزارة للصناعة خطوة نحو المستقبل "

بقلم : أ.د محمد احمد بصنوي
 

 تلقيت الأمر الملكي  بإنشاء وزارة  للصناعة والثورة المعدنية بسعادة بالغة، فهذا القرار يعكس حكمة القيادة الرشيدة، وحرصها على  مواصلة الاصلاح الاقتصادي، من أجل رفعة هذا الوطن الحبيب، فمما لا شك فيه أن وجود وزارة خاصة بالصناعة والثروة المعدنية، سيساهم في  تنويع مصادر الدخل في اطار رؤية 2030،  وتعزيز دور الصناعة في الناتج المحلي، وازالة أي معوقات قد تواجه المستثمرين في هذا القطاع، خلاف زيادة الاستثمار في القطاع التعديني. 

 لقد تطرقت  كثيرًا لأهمية الصناعة في سلسلة مقالات تحمل اسم " لا نهضة إلا بالصناعة" على مدى ثلاثة سنوات، وتضمنت هذه المقالات  التحديات والمعوقات التي تواجه  الصناعة في هذا البلد الحبيب،  ولذلك أحمد الله على تأسيس وزارة خاصة بالصناعة لمواجهة وإزالة هذه المعوقات، خاصة أن هذا القطاع يعد العمود الفقري لاقتصاد اي دولة متقدمة. 
 
 وفي هذا الإطار سأبرز أهم ما تناولته عن الصناعة:

1-تصدير المواد الخام دون تصنيع يعتبر جريمة في حق هذا الوطن، فعلى سبيل المثال رمال السيلكا تتوفر بكثرة في شرق الرياض وسعر الطن منها يقدر بـ8 دولارات، ويصل لـ60 دولارا في حال تصنيعه باستخدام تقنيات بسيطة، وتستخدم هذه الرمال في صناعة الألواح الشمسية، ومن الممكن استغلال هذه الرمال والدخول في صناعة الطاقة الشمسية، فلدينا ميزة لا تتوفر لدى الكثير من الدول التي تنتج هذه الألواح، وذكر هذا بالتفصيل في مقالة "صناعة التعدين".

2-عدم وجود مصانع لإنتاج المواد الخام الدوائية في بلادنا يعتبر عنصرا أساسيا في عدم تقدم صناعة الدواء بشكل قوي، ويحول الصناعة لدينا إلى مجرد استيراد بعض المواد الخام وتعبئتها في عبوات وبيعها للمواطنين، خلاف افتقارنا للفنيين بالشكل اللازم لتطوير هذه الصناعة فعدد الصيادلة يقدر بـ12 ألفا وعدد الخريجين المتوقعين لا يتجاوز الـ250، لكن يمكن التغلب على ذلك من خلال الاستعانة بالخبراء العرب والأجانب في هذا المجال، وذكر هذا بالتفصيل في مقالة "صناعة الثورة"

3-مواجهة  تعثر الشركات والمصانع، يكون من خلال حاضنات الأعمال المعنية باحتضان المشروعات وتوفير عدد من الخدمات لها، في مقدمتها الإشراف الإداري ووضع خطط لها لتسويق منتجاتها. وفكرة الحاضنات مستوحاة من الحاضنة التي يتم فيها وضع الأطفال غير مكتملي النمو من أجل تخطي صعوبات الظروف الخاصة المحيطة بهم، عن طريق تهيئة كل السبل من أجل رعايتهم، ثم يغادر الوليد الحاضنة بعد أن نتأكد من صلابته وقدرته على النمو والحياة الطبيعية وسط الآخرين، ولك أن تعلم أن حاضنات الأعمال تعمل على تهيئة المناخ المناسب وتوفير كل الإمكانيات التي تعمل على تسهيل نجاح أي مشروع، وتعمل على ربط المشروعات مع السوق، وتوفير التدريب للموارد البشرية مما يساهم في حل مشكلة البطالة، وتساعد المشروعات على تخطي المشكلات والمعوقات الإدارية والمالية والفنية التي يمكن أن تتعرض لها، وذكر هذا بالتفصل في مقالة "المصانع المتعثرة في حاجة لحضانات"

4-الروتين الحكومي والإجراءات التعسفية التي أدت إلى هجرة بعض الصناعات إلى الخارج، وترك الباب مفتوحا على مصراعيه أمام المنتجات المستوردة دون وضع إجراءات لحماية المنتج المحلي، واتباع بعض الدول لسياسة الإغراق من خلال دعمها لبعض المنتجات حتى تباع بقيمة أقل من قيمتها الحقيقية لتصبح غير قابلة للمنافسة، وبالتالي يتم تدمير الصناعة الوطنية، والاستحواذ على السوق من قبل الدولة التي تتبع هذه السياسة ، وهذا الامر تكلمت عنه بالتفصيل في مقالة " الصناعة روح الاقتصاد". 

5-الحل الأمثل لتحقيق نهضة صناعية هو إنشاء صناعة موجهة للتصدير، فالصناعة التي لا يرجى من ورائها تصدير محكوم عليها بالموت قبل أن تبدأ، فتقليد الدول المتقدمة والاستفادة من مراحل تطورها ليس عيبا، بل على العكس تماما، فلك أن تعلم أن ماليزيا في السبعينات قلدت اقتصادات النمور الآسيوية الأربعة (كوريا الجنوبية وتايوان وهونغ كونغ وسنغافورة)، وألزمت نفسها بالانتقال من اقتصاد يعتمد على الزراعة إلى اقتصاد يعتمد بصورة أكبر على التصنيع، وذكر هذا بالتفصيل في مقالة " الصناعة الحقيقية ما يكون هدفها التصدير"

6-بدائل  النفط في المملكة  كثيرة بصورة قد لا يتصورها الكثير، بل الأدهى من ذلك أنها قد تحافظ على كون المملكة مركزا عالميا للطاقة، فعلى سبيل المثال لا الحصر إن درجة الحرارة المرتفعة التي يشتكي منها الكثير قد تؤدي إلى تحول المملكة لأكبر مصدر للطاقة على مستوى العالم مع نضوب النفط إذا ما تم الاستثمار في الطاقة الشمسية خلال المرحلة الحالية بشكل كبير، خاصة أن هذه التكنولوجيا ما زالت في مرحلة المهد وفي حاجة إلى الكثير من الأبحاث ، فعلينا أن نمول الأبحاث الخاصة بالطاقة الشمية ونكون مشاركين في تطوير هذه الصناعة لكي نكون منتجين لهذه التكنولوجيا، وليس مجرد مستوردين، وشتان بين هذا وذاك ، وذكر ذلك بالتفصيل في مقالة "بلادنا كلها خيرات" 

7-الاهتمام بتطوير التعليم الفني أمر مطلوب للغاية في ظل السعي لتحقيق نهضة صناعية،  خاصة أن مخرجات العملية التعليمية لا تتناسب مع التخصصات المطلوبة في سوق العمل، فإذا نظرنا إلى حجم مخرجات التعليم النظري، فسنجد أنفسنا أمام جامعات تنتح لنا شباب عاطل ، ليس لديه متطلبات سوق العمل، فنحن ننفق أموالاً بالمليارات على تعليم شبابنا مهارات لسنا في حاجة لها، وهو ما يعني أننا نهدر المال العام، والدليل على هذا الامر أن 52 % من العاطلين من حملة شهادة البكالوريوس ، وعددهم 403 آلاف مواطن، في وقت يبلغ إجمالي عدد العاطلين نحو 778.9 ألف مواطن وفقاً للهيئة العامة للإحصاء ، لا أقصد بالتأكيد التهكم او التقليل من شأن العلوم النظرية المتمثلة في الدراسات الإسلامية أو الإنسانية مثل علم النفس وخلافه ، ولكنه أطالب بتعليم أبنائنا من هذه العلوم (بالقدر الذي نحتاجه) فقط ، فبالطبع مجتمعنا يريد مهندسين وعمال وفنيين أكثر من أي تخصص آخر ، وهذا الامر ذكر بالتفصيل في بحث "قاطرة التنمية".
 
8-الصناعة أكثر قدرة على التأقلم مع المتغيرات الاقتصادية المحلية والعالمية كالتي نشهدها اليوم مع تراجع أسعار النفط، خاصة أن الصناعة هي خيار اقتصادي لا بديل عنه لتنويع اقتصاد ما يقرب من 30 مليون نسمة، وتوفير فرص عمل للشباب، ولا شك أن الحديث عن تطوير الصناعة كان ضعيفا، خلال السنوات الأخيرة في ظل وفرة الإيرادات النفطية، لكنه الآن بدأ يأخذ زخما كبيرا ، وذكر هذا بالتفصيل في مقالة " الإرادة والتخطيط وحدهما من يصنعان التغير ".

9- القمامة ثروة نجهل قيمتها إلى الآن، وما زلنا للأسف نسيء استغلالها ونتعامل معها بمنطق اللامبالاة، بل إننا نخصص الكثير من الأموال للتخلص منها ودفنها في باطن الأرض، فلك أن تعلم أن الطاقة الكامنة في نفايات المملكة تقدر بحوالي 9,707,246 ميجا. وات/ ساعة، أو ما يعادل (5.9 ملايين برميل نفط)، وفقا لما ورد من قطاع الطاقة المتجددة في مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية، والعائد من إعادة تدوير النفايات ليس فقط توليد الطاقة، بل يوفر الأموال التي تنفق للتخلص منها، خلاف إيجاد فرص عمل جديدة، وتوفير مساحات أوسع من الأراضي التي تستخدم كمدافن للنفايات، وحماية المياه الجوفية من التلوث والإضرار بالتربة، خلاف أن النفايات تشكل أرضا خصبة لتنامي الحشرات الناقلة للأمراض والمضرة بالنباتات والحيوانات البرية.

10-السبب الحقيقي لتعثر شركات القطاع العام ، انعدام المنافسة بينها وبين الشركات الأخرى، وعدم وجود إدارة محترفة ومتى توفرت هذه المعايير في أي شركة قطاع عام حكومية فستكون ناجحة بشكل تام، والدليل على ذلك نجاح بعض الشركات الحكومية في دبي مثل الخطوط الجوية الإماراتية وشركة «دو» وشركة «اتصالات» بالإمارات، وأصبح البعض منها له وزن دولي، وهذا ناتج من إطلاق المنافسة بين الشركات الحكومية. وذكر هذا بالتفصيل في مقالة " السير نحو المجهول".

11-الموارد الطبيعية المتوفرة لدولة ما رغم أهميتهما، إلا أنها لا تغني عن العنصر البشري المتدرب بشكل جيد، فبدونه تصبح الموارد الطبيعية لا قيمة لها، فهو الثروة الحقيقية لأي دولة، ومن المثير للحيرة والتعجب أننا لدينا الموارد البشرية الكفيلة لإحداث نهضة صناعية كبرى، إذا ما تم تدريبها بشكل جيد ومقنن، ورغم ذلك تركناها بدون تدريب، واستوردنا من الخارج موارد بشرية جاهزة للعمل، وهذا يرجع إلى عدم وجود استراتيجية حقيقية لتوفير احتياجات السوق من العمالة الوطنية، رغم انتشار البطالة ووصلها لـ 12.7% وفقا للهيئة العامة للإحصاء، ومما لا شك فيه أن من يعجز عن تنمية موارده البشرية سيعجز بالتأكيد عن تحقيق أي تنمية صناعية مهما حاول، وذكر هذا بالتفصيل في مقالة "الكنز الذي لم يكتشف بعد".

12- فكرة التصنيع والوصول إلى العالمية أمر ليس مستحيلا من الناحية العملية، والدليل على ذلك نجاح مصمم عطور سعودي في تصميم ماركة عطور تنافس الماركات العالمية ومعظم زبائنه نخبة المجتمع الخليجي، ومن بريطانيا وأمريكا وسويسرا ولبنان ودبي، نحن بحاجة لتوطين الصناعات الصغيرة وبعث الصناعات الحديثة والشعبية مع تطويرها، وهذا  من شأنه أن يكون بداية جيدة للتصنيع، نحن بحاجة إلى ثورة في الفكر الاقتصادي تتجاوز النظريات المعلبة المستوردة من الخارج، وذكر هذا في مقالة "صنع في السعودية".

13-تعد البرمجيات العصر الذهبي لصناعة هذا العصر، إذ أصبحت واحدة من الصناعات الاستراتيجية المهمة شأنها في ذلك شأن الصناعات العملاقة، وتشمل "تطبيقات الجوال، والمواقع، والألعاب، والسوفت وير بشكل عام" وبلغ عائدها أكثر من 85 مليار دولار في عام 2016، يرجع اهتمامي الشخصي بالبرمجيات إلى أنها صناعة المستقبل، إضافة إلى أنها تضع حلا عمليا للبطالة، فالحل الحقيقي لمشكلة البطالة ليس فقط بتوفير فرص عمل، ولكن بتوفير فرص عمل بدخل يناسب المواطن، وذكر هذا في مقالة "الصناعة الغائبة في المملكة" 

وأخيرا وليس آخرا سأظل أحلم بعبارة «صنع في السعودية» صناعة حقيقية وليست زائفة، تجمل منتجات بلادي التي ستصل إلى العالمية بإذن الله إذا ما تمت زيادة جودتها، من خلال الإيمان بأننا قادرون على صنع نهضة حقيقية لهذه الأمة.


بقلم:بروفيسور/ محمد احمد بصنوي

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر الخبر

غاليه الحربي
المدير العام
عضو مجلس الادارة ، أديبة وكاتبة

شارك وارسل تعليق