بوابة صدى الحجاز الإلكترونية 

الأثنين, 02 ديسمبر 2019 07:17 مساءً 0 667 0
أُفُق الغسق
أُفُق الغسق

أُفُق الغسق


د . صلاح عبدالله العرابي 


همست جدائل الصمت في أحشائه التي داعبتها الفطرة وملأت بهجتها ضباب عطره المنسكب على ضوء القمر. فعندما ينتحر الورد تغيب الأغاني الجميلة وتنكسر الفراشات لبوح المطر. ذلك مال لاح له في أفقه فقد انهمرت جبهته الغليظة التي اشرأبت فيها التجاعيد وحاول أن يطأطيء رأسه من خلالها حتى كادت أن تهوي منه عبر تلك الزاوية الضيِّقة الأفق وخلع جلده بتمعن فيه رغبة عاتية بل جامحة لذلك الشوق الهاديء الذي كان ينتظر هامته الصامته والمضطربة وأعطى لأرجوحته الفارهة لحظة انطلاقة ليعد بعدها ثوانيه قبل دقائقه. كان في تلك البرُهة يرى رقصات زمنه الحالم بمرارة في معصمه بالرغم من توشحه للصبر في هذه الليلة من ليالي الخريف فكم هو رائعٌ هذا الفصل لديه فكل شيء فيه يتلون كالحرباء من خلال أوراقٍ يودعها كل صباح نائمة على تلك الشجرة الباسقة المعطاءه. خرج من حلزونية أفكاره إلى ذلك الريف البارد المزروع بين أحضان طبيعة خلابة جبال تحيطُ بها مكسوة بكل مافي عيني نصفه الآخر من خضرة ونهر فيروزي شامخ أوله جدولٌ هاديء ومنتهاه شلال ضوء يتدفق من بين تلك الأيدي الحزينة التي كانت في يوم من الأيام تبيع الورد بكل ألق على مشارف الفجر.. شعر حينها بارتعاشة باردة فجلس القرفصاء وهو يُحاكي ذلك الجبل الشاهق الذي يتوعده دائماً بأن يأخذه بعيداً عنه فوق هام السحب ليكون أشهق منه.. صراعٌ بين مفترق الطرق يُدمي آدميته التي كاد أن ينطوي عليها ويتبرأ منها .. همسات ذلك الصوت المتهدج تنساب إلى بحر أُذُنيه بروية.. حاول مراراً أن يحجب ذلك التدفق عن جمجمته التي تطاير فوقها ألوانٌ باهته لايعرف لونها من شعرٍ قاسي منتصب تغلب عليه تلك الإنثناءات التي حفرها الزمن ببراعة وأسقطها بسمو على جبينه الداكن. لازال ذلك الصوت الحزين يُثقب مسامعه فارتعشت أصابعه لتعليته.. خاف عن بُعد بَعد أن تدحرجت مشاعره إلى ذلك النفق المائي اللانهائي ليقف في منتصفه يحاور حوريته عما كانت تحلم به وأوقف بعدها من كان في جوفها وترجَّل عنها خشية أن تهرب منه تلك الأزهار ومراكن الورود. ابتاع عدداً منها وقذف بها خلفه وسار إلى حيث لايرى نفسه.. تعدى بضع أنوارٍ كلون ذلك الرمان الحامض الذي كان يعشقه حينما كان صبياً. لم يقف وقد نجا أسطورة محورية تبحث في أعماقه وتتساءل بتثاؤب عن تلك الحلقة التي لم يحصل عليها كيف يُسعدها وهي غائبة؟ بل هي في الأصل ضائعةٌ منه. وصل إلى مُبتغاه حمل معه مراكن ورده التي تناثرت ضفائرها وغدت طائشة إلى كُلِّهُ الآخر.. أو هكذا يريد أن يعتقد.. حينما رأته على هذه الحالة فرحت من الأعماق.. حاول أن يُرَتِّب عاطفته بأبجدية صادقه فلم يفلح.. صاحت يداه بعيون مُغرورقه لاتحزن.. لاتهرب.. لاتتشدق.. يمكنك فقط أن تحلم بالمستحيل وأن تركض نحو حقول السفرجل في زمن الخريف.. أن تسأل موج البحر عن همس السراب وحنين الرحيل وقت الغسق.. أن تسأل ماتبقى من رحيق الأمنيات عن حنين الطين وأنين البشر!! عن متاهات الصمت وأحزان المطر !!!

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر الخبر

غاليه الحربي
المدير العام
عضو مجلس الادارة ، أديبة وكاتبة

شارك وارسل تعليق