بوابة صدى الحجاز الإلكترونية 

الاربعاء, 19 مارس 2025 10:10 صباحًا 0 149 0
تطور التجمعات الثقافية والاجتماعية في المجتمع العربي
تطور التجمعات الثقافية والاجتماعية في المجتمع العربي
تطور التجمعات الثقافية والاجتماعية في المجتمع العربي: من دار الندوة ودار الأرقم إلى الصالونات الأدبية والمركاز والملتقيات الحديثة  

بقلم: مدير التحرير والتسويق في صحيفة شبكة نادي الصحافة الإلكترونية – المدينة المنورة / عبدالله عبدالهادي  

اليوم: الجمعة 4 رمضان 1446 هـ – الموافق 14 مارس 2025 م  

مقدمة:  

شهد المجتمع العربي تحولات كبرى في طبيعة التجمعات الثقافية والاجتماعية على مر العصور. بدأت هذه التجمعات في دار الندوة كمركز لاتخاذ القرارات السياسية والقبلية، ثم ظهرت دار الأرقم كمكان سري لنشر الدعوة الإسلامية، وانتقلت إلى الصالونات الأدبية التي أصبحت مراكز للحوار الثقافي، ثم تحولت إلى المركاز كنموذج اجتماعي يعكس الحياة اليومية، وأخيرًا عادت إلى الصالونات والملتقيات الحديثة التي تجمع بين الفكر والثقافة بأساليب معاصرة.  

دار الندوة: مركز القرار القبلي والسياسي في الجاهلية  

كانت دار الندوة المؤسسة الأولى التي شكلت نواة التجمعات القبلية والسياسية في مكة المكرمة، حيث أسسها قصي بن كلاب في القرن الخامس الميلادي (حوالي 440م). كانت هذه الدار المكان الذي يجتمع فيه زعماء قريش لمناقشة القضايا الكبرى، مثل الحروب، التحالفات التجارية، وتنظيم أمور الحج.  

الفرق الأساسي بين دار الندوة والتجمعات اللاحقة أنها كانت مؤسسة سياسية تُعنى بإدارة شؤون قريش، بينما الصالونات الأدبية والمركاز كان لهما دور ثقافي واجتماعي بالدرجة الأولى.  

دار الأرقم: المركز السري لنشر الدعوة الإسلامية  

عند ظهور الإسلام، تغيرت طبيعة التجمعات في مكة، حيث استخدم النبي محمد ﷺ دار الأرقم بن أبي الأرقم كمركز سري لنشر الدعوة الإسلامية وتعليم الصحابة الجدد مبادئ الدين. كانت هذه الدار ملاذًا للمسلمين الأوائل لتجنب اضطهاد قريش.  

تختلف دور دار الأرقم عن دار الندوة في كونها لم تكن مركزًا سياسيًا أو قبليًا، بل كانت مركزًا دينيًا وتعليميًا يهدف إلى نشر العقيدة الإسلامية، وهو ما يميزها عن الصالونات الأدبية التي تركز على الحوار الثقافي، والمركاز الذي كان مكانًا للتواصل الاجتماعي العام.  

الصالونات الأدبية: المحافل الثقافية والفكرية  

مع توسع الحضارة الإسلامية وازدهار العلوم والأدب، بدأت الصالونات الأدبية في الظهور، خاصة في العصر الأموي والعباسي. كانت هذه الصالونات تعقد في منازل الأدباء والمفكرين، مثل مجلس سكينة بنت الحسين في المدينة المنورة، ومجلس ولادة بنت المستكفي في قرطبة.  

تميزت الصالونات الأدبية بكونها تجمع النخبة المثقفة لمناقشة القضايا الأدبية والفكرية، مما يفرقها عن المركاز الذي كان يهتم بالمجتمع المحلي ومشاكله اليومية، وعن الملتقيات الحديثة التي تهتم بالتفاعل بين مختلف شرائح المجتمع عبر منصات حديثة.  

المركاز: المجلس الاجتماعي الشعبي  

مع تطور المجتمعات الحضرية، ظهرت تجمعات اجتماعية جديدة مثل المركاز، وهو مجلس شعبي يجتمع فيه وجهاء الحي وكبار السن والعمدة لمناقشة شؤون الحي وتبادل الأخبار. كان المركاز منتشرًا في الحجاز، خاصة في مكة وجدة والمدينة والطائف، حيث يجلس الرجال في أماكن مفتوحة يتبادلون الأحاديث حول السياسة، التجارة، والأحداث اليومية.  

يختلف المركاز عن الصالونات الأدبية في كونه أكثر بساطة ويشمل مختلف فئات المجتمع، وليس فقط النخبة المثقفة. كما أن دوره اجتماعي أكثر من كونه ثقافيًا، حيث يهتم بالمشكلات اليومية وحل النزاعات داخل الحي. أما الملتقيات الحديثة، فهي تطورت من المركاز ولكن بأسلوب حديث، حيث تُنظم في أماكن رسمية أو على منصات إلكترونية للنقاش والتفاعل.  

الملتقيات الحديثة: عودة الصالونات بأسلوب معاصر  

مع تطور وسائل الإعلام والتواصل الرقمي، عادت الصالونات الأدبية والمجالس الفكرية ولكن بأسلوب حديث، حيث ظهرت الملتقيات الثقافية الحديثة التي تُعقد في المراكز الثقافية والمكتبات والمؤتمرات، بالإضافة إلى المنتديات الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي.  

الفرق بين الصالونات التقليدية والملتقيات الحديثة يكمن في أن الأخيرة أكثر انفتاحًا على مختلف الفئات، ولم تعد مقتصرة على نخبة الأدباء والمفكرين. كما أن الملتقيات أصبحت أكثر تنوعًا، حيث تشمل محاضرات، حلقات نقاش، وندوات فكرية، مما يجعلها نموذجًا أكثر تطورًا من المركاز التقليدي.  

الفرق بين الصالونات، المركاز، ودار الندوة ودار الأرقم  

عند مقارنة هذه التجمعات، نجد أن دار الندوة كانت مؤسسة سياسية، بينما كانت دار الأرقم مركزًا دينيًا وتعليميًا، أما الصالونات الأدبية فكانت محافل ثقافية، والمركاز كان تجمعًا اجتماعيًا يعكس نمط الحياة الشعبية، وأخيرًا الملتقيات الحديثة جاءت كدمج لمختلف هذه التجمعات ولكن بأسلوب عصري يتناسب مع التغيرات الثقافية والاجتماعية.  

الخاتمة  

مرت التجمعات الثقافية والاجتماعية في المجتمع العربي بتحولات متعددة، حيث بدأت بدار الندوة كمجلس سياسي، ثم دار الأرقم كمركز ديني وتعليمي، ثم الصالونات الأدبية التي اهتمت بالثقافة والفكر، ومنها إلى المركاز كمجلس اجتماعي لحل المشكلات اليومية، وأخيرًا تحولت إلى الملتقيات الحديثة التي تجمع بين الفكر والثقافة والتكنولوجيا.  

هذا التطور يعكس كيف تكيفت المجتمعات العربية مع التغيرات الزمنية، وكيف استمرت في البحث عن وسائل جديدة للحوار والتفاعل، سواء في المجال السياسي، الديني، الثقافي، أو الاجتماعي. ⸻

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر
تطور التجمعات الثقافية والاجتماعية في المجتمع العربي: من دار الندوة ودار الأرقم إلى الصالونات الأدبية والمركاز والملتقيات الحديثة

محرر الخبر

جمعه الخياط
المدير العام
رئيس مجلس الإدارة والمدير العام

شارك وارسل تعليق

أخبار مقترحة