سلسلة مبادرة لا نهضة الا بالصناعة
بقلم : أ.د محمد احمد بصنوي
"الطريق نحو الاكتفاء الذاتي دون صرف ريال من الخزينة"
تحدثت كثيرًا في بحوثنا على مدار ثلاث سنوات كاملة بدأناها بخطاب التماس لسيدي خادم الحرمين على ضرورة تنويع مصادر الدخل القومي، وعدم الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل، حتى لا يتعرض اقتصاد البلاد لأي هزة، عند انخفاض الأسعار وهو ما أثبتته الأيام مع أزمة كورونا، فضلا على أن النفط مورد معرض للنفاذ، أو الاستغناء عنه بصورة شبه كلية بموجب اختراعات الطاقة البديلة، لذلك يجب أن نسعى إلى ايجاد بدائل للنفط، والبحث عن موارد جديدة، من خلال التوجه الوحيد الذي ليس له بديل ألا وهو الصناعة، كما ذكرنا في بحث "الصناعة ليست خيار".
إن بلادنا في حاجة الى صناعة متنوعة قوية، وهذا الأمر ممكن، وبدون تحمل الدولة ريالاً واحدًا، خاصة أن الكثير من رجال الأعمال يريدون تحويل استثماراتهم إلى الداخل، بعدما تبين لهم بأن الاستثمار في الخارج في الكثير من الاحيان، ليس امنًا بمثل الكيفية في المملكة، كما تم توضيح ذلك في بحث "وطنك أأمن مكان لإستثمارك"، لكننا في حاجة فقط لدعم معنوي وحسي من قبل الدولة لمن يريد إقامة المشروعات الصناعية، من خلال إعداد لجنة متخصصة من قبل وزارة الصناعة تعطي كافة التصاريح، ومراجعة دراسة الجدوى، وتسليم الأراضي بحد أقصى خلال شهر واحد فقط.
ليس هذا فقط، بل يجب أن تنشأ الدولة لجنة متخصصة من عدة وزارات برئاسة وزارة الصناعة ، بتحديد الصناعات المطلوبة، ووضع خطة استراتيجية لتنفيذ هذه الصناعات، بحسب الاحتياجات الاولية لاستهلاك المواطن الذي يستورد اكثر من 95% لتلبية احتياجاته الاساسية ، وتكون هذه الصناعات ممنهجة ضمن جدول زمني غير قابل للاعذار فالبلاد بكرم الله فيها الاموال والعقول والخبرات ، كما تكون هذه اللجنة مسؤولة عن جميع التصاريح خلال شهر واحد فقط ،وايضا مسؤولة عن متابعة سير كل مصنع وكل متخاذل بعد ان يبدأ وخلال اول شهر تجري عليه عقوبات التأخير الصارمة لأن هذا مستقبل وطن وبلد وشعب بالملاين وليس محط التجربة ، والمصانع التي تحتاج لرؤوس اموال ضخمة تكون اللجنة مسؤولة عن ضم اكثر من مواطن مستثمر في مصنع واحد.
وبعيدا عن أي تخبط، تقوم اللجنة بتحديد الدول التي فيها أفضل تكنلوجيا لهذه الصناعات، وعلينا أن نبتعد عن أوروبا وأمريكا، خاصة أن التجارب أثبتت أن هذه الدول ليس من مصلحتها ابدا تقدم المملكة، وهذا الأمر ممكن، في ظل أن المملكة لديها علاقات متميزة مع مختلف دول العالم بفضلا من الله ثم من حكمة وسياسة دولتنا الرشيدة .
أعيد وأكرر أن هذه الدعوة أو المبادرة لا تطلب أي دعماً ماديًا من قبل الدولة، ولكنها تطلب فقط تيسيرًا في اصدار التراخيص، لتسهيل اعداد المشاريع الصناعية، فنحن لا نطلب من الدولة أن تخرج من خزينتها نصف ريال، ولكننا نريد دعمًا فعليا معنويًا وعمليا في تيسير الإجراءات، وتسهيل متطلبات الصناع خلال ايام معدودة ومراقبة وصد سياسات الاغراق من الدول التي تدمر اقتصادنا باستمرارنا في الحاجة اليهم ولمنتجاتهم .
فهذه المبادرة اعتمدت في المقام الأول على الاستغناء عن خزينة الدولة، باعتمادها على مواطنيها الاثرياء والتي بلغت حجم ايداعاتهم الداخلية فقط اكثر من تريليون وذلك عن ماورد في صحيفة الاقتصادية بناءا على بيانات مؤسسة النقد، ولا يخفا عن الجميع ان الارقام هذه لا تساوي العشر عن ماهو مستثمر للمواطنين في الخارج ، فحين دخولهم في الصناعة ومعرفة مكاسبها الحقيقية والتي تفوق عن ال 40% كعائد سنوي لرأس المال وهذا المتوسط العالمي لمردود الصناعة، علما بان بعض الصناعات تفوق ارباحها عن ال 300% كصناعة الادوية وهذا ماورد في بحثنا "صناعة الثروة " .
اكرر حان الوقت لنبدأ فعليا خاصة أن الصدمة الاقتصادية التي خلفتها كورونا كبيرة جدا، ولن يستفيق منها العالم قريبا وقد تأخذ وقتا طويلا ،ولا ننسى تصريح الجدعان بان بلادنا استخدمت أكثر من تريليون ريال من الاحتياطات خلال 4 سنوات .
ولذلك هناك ضرورة لتحويل هذه المبادرة( لا نهضة الا بالصناعة ) إلى واقع ملموس في أسرع وقت، من خلال تحفيز أصحاب رؤوس الاموال و الأعمال على الدخول إلى الصناعة بالقضاء على الروتين القاتل، والتنسيق بين جميع القطاعات المعنية، وإلغاء التخبط الحاصل بين توجه الصناعة، وعقبات التصاريح والعمالة، ومشاكل التصدير وكل هيئة لها فكر وتوجه لا ينتهي المجمل العام من التخبط إلا في خراب فكر الصناعة، وهذا ما تم شرحه بالتفصيل في بحثنا "الصناعة روح الاقتصاد".
ولا شك أن التوجه نحو الصناعة خلال هذه الفترة أصبح حتميًا، في ظل انهيار أسعار نفط تكساس خلال الآونة الأخيرة إلى سالب 37 دولارً، مما أدى إلى رجوع ناقلات النفط السعودية من أمريكا، لأنه لا يمكن أن ندفع أموالاً مقابل بيع النفط، فأي مصيبة هذه، المصيبة لم تتوقف عند هذا الحد، ففي ظل انهيار أسعار النفط عالميًا، نجد البعض يروج لشراء سيارات كهربائية حديثة تسير 625 كم بسرعة تفوق 300 كم في الساعة، وتحتاج فقط لخمسة دقائق تعبئة كهرباء، وهذا يعني أن هناك مخطط ما، للاستغناء عن البترول داخل وخارج المملكة، فإذا لم نبع البترول، ونحن نعتمد على الاستيراد بأكثر من 95% لموادنا الاستهلاكية ، فإذن أين الاقتصاد، وأين القوة، وأين الاستغناء عن الغير؟.
إن هدفنا من تعميق الصناعة في الأساس، هو تحقيق الاكتفاء الذاتي خلال أربع سنوات، وفي حال تحقيق هذا الامر ستتغلب بلادنا على أي أزمات مماثلة لأزمة كورونا، دون الحاجة لدعم من أحد، وستكون البلاد على أتم الاستعداد لأي عزلة تتكرر، خاصة انه لا يوجد شيء يسمى مستحيل، وفي ظل الحروب بشتى أنواعها وتقلص عدد السكان وما لمسناه من أزمة كورونا فهو في نظري "جرعة لقاح للفكر العالمي"، ليكون (فكر الاكتفاء الذاتي هو المسيطر على الشعوب) ، وان المؤامرة تلوا المؤامرة لسقوط اقتصاديات الدول وافقارها وتجويع شعوبها على ايدي اكبر اسماء الدول و المنظمات والهيئات العالمية ، ماهو الا هدف قديم يسعون خلفه منذ قرون ، وقد قمنا بتوضيح واثبات ذلك بشواهد من التاريخ الحديث المعاصر في عدة بحوث تم نشرها ومنها " مصيدة الفقر "
لذلك نتعشم من سيدي الملك سلمان حفظه الله ورعاه ، بأن تكون نهضة الصناعة هدف وطني عظيم يسعى له الكبير والصغير في البلاد لتحقيقه و بإصدار أمر ملكي بتشكيل لجنة متخصصة معنية بتجهيز خطة واستراتيجية باسماء الصناعات التي تحتاجها البلاد الان في بداية نهضة صناعتها، و بإعطاء كافة التصاريح، ومراجعة دراساة الجدوى التي يقدمها المستثمر نفسه بحسب اقتناعه ودراسته الحقيقية للمصنع المنشود ، وتسليم الأراضي بحد أقصى خلال شهر واحد فقط، ويلي متابعة تحقيق هذا الهدف العظيم والمنقز للبلاد والعباد ولي العهد الهمام محمد بن سلمان رعاه الله لتتسارع كل اطياف المجتمع في تحقيقه .
خاصة أننا سعينا كثيرًا من خلال كبرى القنوات الحكومية (لتوحيد المرجعية للصناعة والصناع) ، ولكن أبدأ لم تنفذ، ولا زلنا وخصوصا الان بعدما تيقن الجميع من كيد الأعداء، والحرص على أذية هذا الوطن العظيم.
وأخيرًا وليس آخر، فهذه الدعوة ستعود على الجميع بالربح سواء كان مستثمرًا أو مواطنًا أو الدولة ، فـ "الدولة" ليس مطلوب منها أي أموال، وستستفيد من انشاء العديد من الصناعات ، وتحصل على الاكتفاء الذاتي وهو مطمع كل دولة على وجه الارض ، و"المستثمر" مستفيد من خلال الاستثمار داخل بلده، وتحقيق أكبر معدل من الأمان والربح لأمواله، أما "المواطن" فستعود عليه هذه الاستثمارات بتوفير الكثير من فرص العمل، مما يوفر له حياة كريمة له ولأسرته.
بقلم : بروفيسور / محمد احمد بصنوي