جودني شوي شوي , جودني وخذ عيني ..!!
تطابق , تماثل , إتقان , دقة ، ملاءمة , مواءمة , كفاية , رضا .... للأسف الشديد أنك عندما تبحث في تعريفات الجودة , وحتى الشاملة , ستكتشف أن كلمة ( جودة ) تعني كل هذه المصطلحات وأكثر منها ..!!!
وهذا مايجعل هدف الوصول للجودة في عملٍ ما , هدف صعب وشاق للغاية , ويحتاج إلى الكثير من الوعي والذكاء والصبر والتخطيط , ومما يزيد من صعوبة هذا الهدف العظيم ومن تعقيده , هو عدم فهم الكثيرين من العاملين في هذا المجال لفلسفة الجودة , وستجد أدوات قياسهم - المُصممة مُسبقاً من أناس غيرهم وليس منهم هم أنفسهم في الغالب – تقيس أداء مهمة ما , وتحكم على الجودة من خلال هذا الأداء , فإن كان أداءً فاعلاً مُحققاً للأهداف منه , كانت الجودة متحققة , وإن تحققت نسبة منها تحققت نسبة من الجودة , وهذا عمل آخر يدخل تحت الجودة ولكنه ليس كل الجودة , وهي في الأساس مهمة منفصلة لها مقاييسها الخاصة بها ..
بتعبير آخر , الجودة عملية تكاملية شمولية , لاتقيس الأداء فحسب , وهي – بالمناسبة – لايعنيها أن تكون براغماتية تُحاكم الوسائل بناءً على النتائج , بل هي – وهنا سر تعقيدها – تهتم بكل تفاصيل الوسائل والأدوات من كل النواحي المختلفة – حتى النفسية والعاطفية منها - وصولاً للنتائج , من الداخل للخارج وليس العكس ..!!
ومن أجل هذا تعتبر الجودة والتصدي لتحقيقها - لا لمجرد قياسها – من أصعب وأعقد المهام على وجه ألأرض , فهي مرتبطة بكل شيء حرفياً , ونجاح كل العناصر يعني نجاحها , وفشل عنصر – مهما كان صغيراً – يعني بالتأكيد فشلها ..!!!
وعندما أتحدث عن الجودة فأنا أعني الجانب الإنساني , فالتعامل مع الآلات والذكاء الاصطناعي , يُسهل كل شيء , ويعطي مختصي الجودة مساحات من الحركة والوقت أكثر بكثير , لتحقيق أهدافهم ..
ولكن عند وجود العنصر البشري , يصبح الأمر مُختلفاً تماماً ..!!
مثل بعض المهن التي مازال – وسيظل لوقت طويل على ألأقل – العنصر البشري هو حجر الزاوية فيها ..!!
صحيح أننا نستطيع تطبيق – مثلها مثل أي مهنة أخرى – بعض أفكار الجودة , مثل دائرة ( ديمنج )
( خطط – طبق – راجع – أعمل , طور) (Plan-Do-Check-Act)
والتي يُرمز لها اختصاراً بـ
PDCA
ولكن – وهذه وجهة نظر من غير متخصص في مجال الجودة وتطبيقاتها – هذه الدائرة تعمل بفاعلية أكثر عند الوصول بالمنظومة ككل وبكل عناصرها لمستوى من الجودة يُنقلها لوضع العمل الذاتي السلس للارتقاء بمستوى الجودة بأقل تدخل ممكن , ليكون هناك استمرارية وتطور ومتابعة ومعالجة , أو لنقل لتكون الدائرة ناشئة من الميدان نفسه وإليه تعود , فالميدان هو من يُخطط وهو من يُطبق وهو من يراجع وهو من يُصحح ويطور ..!!
وقمة الجودة تكمن في جعل عناصر الميدان تقوم بذلك برغبة وحب شديدين , وهذا ماعنيته بقولي أن الجودة عمل من الداخل للخارج وليس العكس ..!!
ولكن هذه الرؤية لها مثلث أعداء كمثلث ( برمودا ) وسأجمل أضلاعه بـ
1-الوقت
2- المال
3- عقلية الكم
فالوقت هو عامل مهم من عوامل تحقيق الجودة , وللأسف أنه في البداية لابد من التحرك بنوع من البُطء , فنحن في بعض المهن نتعامل مع عنصر بشري بشكل رئيس , وهذا العنصر هو المحور وهو المحرك الأساس للعمل نفسه , وهو الذي يجب أن ننقله بالتدريج وعبر قياس فعلي حقيقي لاحتياجاته ومتطلباته ومخاوفه , ومحاولة تغطيتها , ننقله من مُجرد مُنفذ أو ( مقاول بالباطن ) إلى مشارك حقيقي وفاعل في أهداف المؤسسة أو المنظمة , فهذا العنصر القوي الخبير الذي أكتسب مع الوقت تدريباً عالياً للغاية , إن شعر – حقاً – بأنه شريك فعلي في تحقيق الأهداف سيُبدع بها أيما إبداع , ونصل لدرجة أن كثيراً منهم سيكون شعاره , أخبرني بهدفك ودع طريقة تحقيقه لي , وسيدهشك بإبداعه وذكائه وقوته ..!!!
وفي هذا الضلع , نحتاج لمختصي جودة فاعلين وواعين , يبتكرون أدوات قياسهم بأنفسهم , ضمن احتياجات كل مرحلة وكل هدف , ونحتاج لإدارة فاعلة قوية مرنة متمكنة ( وسأفرد مقالات عن ذلك بإذن الله ) ..
أما المال , فمخطيء من ظن أن الجودة تُراقب المال , فهناك حوكمة تقوم بذلك على أكمل وجه , إنما الجودة تتدخل في جودة الإنفاق وذلك يشمل الترشيد المبني على البدائل الفاعلة لا التوفير لمجرد التوفير , فالانتقال لمستوى الجودة المطلوب , يستلزم برامج تدريبية عالية وتحقيق متطلبات متعددة تشمل جميع نواحي عناصر العمل .. ولكن وهذه كما يُقال الـ
good news
فإننا بمجرد الوصول لمستوى الجودة المطلوب , سنتمكن من تعويض كل تلك النفقات , بل ونتحول – لأننا نتحدث عن الذاتية – إلى إمكانية أن تقوم المؤسسة نفسها بكل سهولة بتصميم برامجها وتنفيذها بنفسها عبر كوادرها هي ..!!
أما ثالثة الأثافي , وأعني عقلية الكم , فالتركيز على الكم مطلوب , ولكن دون إغفال الكيف , ونحن قد قلنا في البداية أن الجودة تعتني بالكم كما تعتني بالكيف , فالجودة المبنية على عقلية الكم هي جودة مؤقتة مزيفة , حتى أدوات قياسها مبنية على هذا الهدف , والإدارة فيه لها شرط وحيد لتُصنف كإدارة ناجحة , أنها تُحقق الأهداف الكمية المطلوبة , حتى ولو كان هذا التحقق وقتياً فقط ..!! وحتى ولو كانت الإدارة سيئة مُنفرة خالقة للكثير من المشاكل وناجحة للغاية في توتير بيئة العمل وخنقها وتحويلها لبيئة طاردة ..!!!
ومعتنقوا الكم , تصدمهم النتائج , التي قاتلوا من أجل تحقيقها بأي وسيلة كانت , فيحاول بعضهم إما تزييف النتائج أو البحث عن ضحايا تُنصب لهم مشانق اللوم ويتحملون مسؤولية الفشل إن حدث ..!!
ختاماً :
في ممكلتنا العظيمة رزقنا الله بنعمة عظيمة نادرة تستحق أن نسجد لله شكراً عليها , اسمها محمد بن سلمان , شاب طموح عبقري شجاع مثابر مؤمن بربه وبوطنه وبشعبه , ويعرف يقيناً ماذا تعني الحضارة والتطور والرقي , ويعمل حثيثاً على ذلك , والجودة الشاملة الحقيقية ركن عظيم من أركان مايبنيه حفظه الله ووفقه ورعاه ..
الكاتب /أحمد سليمان النجار