الثلث الأول من رمضان
بقلم / بشرى الحافظ - كاتبة ومؤلفة سعودية
عاد من المسجد وهو يفكر ثم توجه نحو مكتبة والده رحمه الله تعالى .. دلف إليها وهو يتذكر ماقاله له : " من بعد الالتجاء لله جل في علاه ، إن شغلك أمر ما واحترت فيما تفعل ، فستجد ضالتك بإذن الله بين هذه الكتب " !
توجه نحو كتب التفسير ، اختار منها تفسير ابن كثير لسورة البقرة وتحديدا للآية ( ٢٧٦ ) توقف عند قول الله تعالى فيها : (( ويربي الصدقات .... ))
فبدأ يقرأ ماورد في تفسيرها وتفسير الآيات السابقة لها ؛ والتي كانت تتحدث عن الإنفاق لوجه الله تعالى !
استوقفه حديث أبي هريرة رضي الله عنه ؛ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ، ولايصعد إلى الله إلا الطيب ، فإن الله يقبلها بيمينه فيربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه ، ...))
قال محدثا نفسه :
يالكرم الله المنان ! يُربيها ! وهو غني عن العالمين !
وله خزائن السموات والأرض ! وهو الرزاق ! ومالك الملك !
شعر بغصة وهو يقرأ فضل الصدقة ، كيف لا وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود مايكون في رمضان ! وهو شهر الجود والإحسان !
وتذكر الأحاديث التي قرأها سابقا والتي فيها ندب للصدقة :
كحديث
" ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وينادي ملكان: اللهم أعط منفقاً خلفا، وأعط ممسكاً تلفا "
وحديث
" مانقصت صدقة من مال "
يالعطاء الله !
جعل الإسلام أجرا عظيما للصدقة
على أن يبدأ الإنسان بمن يعول !
بعد أن يؤدي حق الله في الزكاة الواجبة .
تذكر ماحدث له بعد الصلاة هذا اليوم !
إذ كان قد لاحظ أحد المصلين ؛ ممن لم يشاهده من قبل ، يبدو عليه الإعياء !
وقد تكرر هذا الأمر ، فذهب إلى إمام المسجد ليسأله عن حاله !
فذكر له الإمام بأنه سكن حديثا في الحي ، وكان مريضا لعدة أشهر ، وقد تحسن وبدأ يصلي مع الجماعة ، ولكنه فقد عمله جراء ذلك ، وهو بحاجة للمساعدة ، فهو لايجد قوتا له ولأهل بيته ! ولكنه متعفف لايسأل أحدا ! إنما يستحق أن تُمَد له يد العون ! خاصة في هذا الشهر الفضيل مع الحاجة للإفطار والسحور ليستعين العبد بهما على الصيام !
حينها شكر إمام المسجد ووعده بأنه سيسأل عمن يمكنه تقديم بعض المساعدة !
أعاد كتاب التفسير لمكانه ، وتوجه إلى غرفته ، وفتح الخزانة ليُخرج ظرفا كُتب عليه : " إدخار " ، أخرج منه مبلغا ووضعه في جيبه ، وخرج للقاء إمام المسجد ، وهو يردد قول الله تعالى : " وماأنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين "
تأمُّل : مُضيُّ الثلث الأول من رمضان دعوة لتدارك ماتبقى منه بالعمل الصالح ولو بيسير الصدقة !