الأجلاف ..
د / صلاح عبدالله العرابي
لم يندم على رهان قناعاته ولكنها قد تكون صرخة تعتصر أمام عينيه على كل أولئك الذين لايُجيدون بعضهم الحياة وهم لايدركون بأن الزمن قبلهم قد ولَّى والآتي من المسافات الطويلة قد يحتضر فجأة حتى المضارع الذي يتشدقون فيه قد ينتحر. كان سطراً أمامه تحرك فيه الرثاء الممتد من صدره حتى قاع صدى الحصاه من تلقاء نفسه حتى تعب القبر من اضلع الأحياء الواقفه على قبلة الموت المستحيل فقد ترقب كثيراً ولم تنسكب الأمطار في منفاه وتأرجحت الذكريات لديه في هذا الزمن ذو الوجه البعيد مابين السراب وزهرة السوسن وأنسجة الجرح الغريب. رغبة كانت ولازالت صادقة يمرِّغ ألسنتها لهب الوفاء بالرغم مما ترك لديه أولئك السابحون نحو اتجاهات التضاد من علقمية المذاق التي سقطت بين شفتيه كالشراب المر في زمن قد ودَّع كبرياء السنابل واحتضن بكل اغتراب رماد المهازل وبالرغم مما اكتنزته آهاته فقد جف دمعه في ظل بئره ولم يستشط حنقاً على مابدر من تلك الثلة المُهترئة والتي كانت تُمثل لديه محوراً هرمياً صامداً بإحداثياته الأفقية والرأسية بل كان فقط حزيناً على ذكريات قد ولَّت في أدبارها ولازالت نقط استقامتها تنعش ماهو محفور على أوراقها منذ أيام البراءة ونشوة المغامرة. لايزال كما كان يؤمن بالضياء الشامخ لأحلام البشر فإستمرارية الوفاء المفقود من فواصل الذاكرة في هذا الزمن الكالح يمنح الأمل لعبير الحياة وتحسب لمن يقود محورها وتكون تلك الأمنيات المليحه والمكينة في أواصرها إذا كانت الإحداثيات متناقضة لأي سبب من الأسباب الدنيوية والتي بالرغم من ذلك يستمر الإخلاص بها ولها في دروبٍ مضيئة يستطيع المرء أن يردد شعاراً لها يحي فيه عظمة الرجال.. فهذه الفئة ليست فقط من معدنٍ نفيس لايصدأ من جراء عوامل التعرية وإنما ثوابتها الإنسانية ترتكز على عوامل غير متغيرة وخيِّرة تستمد من طمأنينة نفسها مايدور في أعماق خلدها من مبادىء فاتنة من المستحيل عليها أن تتلون على قيمها مهما كلفها ذلك الأمر من رِياش أو سمو أو محور فهي دائماً ترفع الوية الواجب فوق مآذنها البهية بسخاء لاينضب ولايصمت عند مدارك العطاء فقد جُبلت تلك الهمم العالية على أن تتحرر بكل انسانية من فواسق دنياها لتتجرد من بهرجتها وغطرستها وربما كبريائها اللاهث نحو غياهب المجهول إلى تلك المعاني الكريمة والنبيلة والصادقة والتي تُجسد الوفاء بشجاعة في زمن اللاوفاء الحربائي المُتعجرف.. فهل ياتُرى تحتاج تلك الأيادي البيضاء النظيفة إلى ماقد يكون في جوف تلك الأيادي الغليظة والبدينة والملونة؟ سؤال قد يكون مُختبئاً غير مُضيء في تفهم نشأته عند أولئك الغرماء البائسين من جبناء اللحظة الذين غادروا الماضي غير مأسوف عليهم ويحاول الجمع الصخيب أن يعيش حاضرهم بترف يغازله خوف من المستقبل وقد يكون ذلك السؤال واضحاً كالشمس التي انهمرت على أحلام قصيدة الأطفال لايدركه إلا أولئك الأبرياء الذين ينمو عشب البر والتفاني على صمتهم وهتافهم.. ومهما يكن من أمر فالحياة جميلة بتلك الأيادي الطاهرة والتي ترى في الوصل مشهداً واحداً للحقيقة.. أما أولئك الواثبون في جهل الاغداق فحري بنا أن نمد لهم طوق الإشفاق ليحتفلوا بالملح في أعينهم حينما تُلامس اجفانهم الأحداق وليرقصوا بشهوة متعبة مع الريح ونسيج الرمح رقصة القطيع والأبواق وتتسلق أصابعهم حائط عرسهم الواهي مابين رثائهم و ترح الاشواق مابين أحلامهم الضائعة وإعوال الأفلاق مابين أسوار ضبابهم وتنهيدة الأخلاق !!!.