الأعمار العجاف
بقلم / بشرى الحافظ - كاتبة ومؤلفة
من منا لم يتعرض للخيبة والخذلان ؟!
من منا لم يفقد عزيزا ؟!
وكيف أصبحت الحياة بعد ذلك رمادية ، فقدت
رونقها ، ولذة السعادة فيها .
وتركت تلك التجربة أثرا عميقا بداخلنا ، بالكاد
نتجاوزه كي نستمر .
تلك الصدمات ، والمواقف الأليمة ؛ من الفقد
والخذلان هي صورة مصغرة لما نفعله بذاتنا بشكل يومي ، دون أن نشعر !
إننا نفقد أنفسنا ، ونعرضها لخيبات متتالية ؛
حين نتسبب لها بهذا الشعور ،
وذلك حين تقصيرنا أو هجرنا
لتلاوة كتاب الله تعالى.
أصبحنا نتعذر بضيق الوقت ، وكثرة المسؤوليات
الملقاة على عاتقنا ؛ والتي لاتترك لنا مجالا لنهب
أرواحنا بعض النداوة ؛ كي يبقى غصنها غضا ،
ولا تعاني اليباس من بُعدنا عنه .
أصبحت الدنيا هي أكبر همنا دون أن نشعر .
المؤلم أننا لايمكن أن تناسى ، أو نتجاهل رسائل
العالم في وسائل التواصل ، ولكننا عرضنا قلوبنا
لصفعة خذلان كبيرة ؛ حين هجرنا تلاوة القرآن الكريم .
كيف ارتضينا لأرواحنا هذا الظمأ ، ولم نهتم بأن
نرويها ولو بهتان من بعض الآيات ؟!
شق علينا قراءة صفحة منه ، ونحن لانتوانى
عن تصفح هواتفنا كل حين !
( وَلَقَد يَسَّرنَا القُرءانَ لِلذِّكرِ فَهَل مِن مُدَّكِرٍ ) !
لا حجة لأي منا ، فبفضل الله عزوجل علينا ؛
منحنا مع تطور العلم ؛ تطبيقات
لتلاوة المصحف .
ولكننا حتى وإن قمنا بتثبيتها على أجهزتنا ،
نتركها في صفحة يتيمة لانمرها ، ولاننهل من معين النور الذي نحتاجه كي يشرق كل شيء في أعيننا ،
حتى أصابنا ضمور التفكير فيما يتعلق
بحياتنا الحقيقية الأبدية .
وكأننا ارتوينا ، واكتفينا ، وكل نبض فينا يشكو
جدبا ، حتى أصبحت أعمارنا عجافا .
تعثرت أهدافنا ، ونحن نستنفذ طاقاتنا ؛ وقدراتنا
من أجل الصمود ؛ والأحلام التي تعاني بؤس
التحقيق ، وتناثر الأمل مع كافة محاولاتنا ،
ونظل نتساءل لم شح التوفيق علينا بعطاءه ؟!
لم أصبحنا فقراء البركة في كل شيء ؟!
لم أصبح الاكتئاب ، والحزن كظل يلازمنا مهما
أُكرمنا بموفور النعم ؟!
ولو أننا عدنا إلى القرآن الكريم ، لوجدنا لكل أمر
يتعلق بحياتنا آية تلامسنا ، وقصص تحكي
عن تفاصيل متشابهة ،
تسلي بها أفياء الشعور ،
وتربت على كتف التعثر ، آيات فيها وعد بخير الدنيا والآخرة ، لكل من كان مع الله .
أينا لا يبتهج إحساسه إن وصلته رسائل من أحبته ؟!
فكيف بأعظم رسالة في الكون ، آيات الله الرحمن
الرحيم الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وله المثل الأعلى في السموات والأرض .
ولو أننا صدقنا الحب لما هجرنا كلامه سبحانه ؛
والذي من فيض حبه رحمنا رغم تقصيرنا ،
وسترنا رغم ذنوبنا ، وأسبغ علينا نعما جليلة ؛
وتلاوتنا للذكر الحكيم هي أقل الشكر ؛ ودوام
للوصل كي لايحدث الهجر .
لاشيء أعظم أثرا على سعادة قلوبنا من بعد الصلاة ؛ كتعهدنا لكتاب الله تعالى .
تفضل الله علينا أن جعلنا من خيار الأمم ، واصطفى لنا نبينا وحبيبنا محمدا صلى الله عليه وسلم ؛ الذي جاءنا
بالمعجزة الكبرى ، وقال : ((اقرؤوا القرآن فإنه يأتي
يوم القيامة شفيعا لأصحابه ))
أنعم بها من صحبة ، ويالهناء من أعانه الله بهذا
العطاء الرباني ،
فكان القرآن رفيقه ، وربيع قلبه في الدنيا ،
وحجة له في الآخرة .
تأمل :
مختصر الحب الصادق في مقولة خالد بن الوليد
رضي الله عنه وأرضاه ؛
حينما أمسك المصحف وبكى ثم قال : ( شغلنا
عنك الجهاد في سبيل الله ) !